سورة الرحمن - تفسير تفسير الألوسي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الرحمن)


        


{الرَّحْمَنُ (1) عَلَّمَ الْقُرْآَنَ (2)}
{الرحمن عَلَّمَ القرءان} لأنه أعظم النعم شأنًا وأرفعها مكانًا كيف لا وهو مدار للسعادة الدينية والدنيوية وعيار على الكتب السماوية ما من مرصد ترنو إليه أحداق الأمم إلا وهو منشؤه ومناطه، ولا مقصد تمتد نحوه أعناق الهمم إلا وهو منهجه وصراطه، ونصبه على أنه مفعول ثان لعلم ومفعوله الأول محذوف لدلالة المعنى عليه أي علم الإنسان القرآن وهذا المفعول هو الذي كان فاعلًا قبل نقل فعل الثلاثي إلى فعل المضعف، وسها الإمام فحسب أن المحذوف المفعول الثاني حيث قال: علم لابد له من مفعول ثان وترك للإشارة إلى أن النعمة في التعليم لا في تعليم شخص دون شخص، ويمكن أن يقال: أراد أنه لابد له من مفعول آخر مع هذا المفعول فلا جزم بسهوه، وقيل: المقدر جبريل عليه السلام أو الملائكة المقربين عليهم السلام، وقيل: محمد صلى الله عليه وسلم، وعلى القولين يتضمن ذلك الإشارة إلى القرآن كلام الله عز وجل، والقول الأول أظهر وأنسب بالمقام، ولي في تعليم غير جبريل عليه السلام من الملائكة الكرام تردد مّا بناءًا على ما في الإتقان نقلًا عن ابن الصلاح من أن قراءة القرآن كرامة أكرم الله تعالى بها البشر فقد ورد أن الملائكة لم يعطوا ذلك وأنهم حريصون لذلك على استماعه من الإنس، وإنما لم أعتبر عمومه للنصوص الدالة على أن جبريل عليه السلام كان يقرأ القرآن وكأني بك لا تسلم صحة ما ذكر وإن استثنى منه جبريل عليه السلام، وقيل: {عِلْمٍ} من العلامة ولا تقدير أي جعل القرآن علامة وآية لمن اعتبر، أو علامة للنبوة ومعجزة، وهذا على ما قيل: يناسب ما ذكر في مفتتح السورة السابقة من قوله تعالى: {وانشق القمر} [القمر: 1] وتتناسب السورتان في المفتتح حيث افتتحت الأولى عجزة من باب الهيبة وهذه عجزة من باب الرحمة.
وقد أبعد القائل ولو أبدى ألف مناسبة، فالذي ينبغي أن يعلم أنه من التعليم، والمراد بتعليم القرآن قيل: إفادة العلم به لا عنى إفادة العلم بألفاظه فقط بل عنى إفادة ذلك والعلم عانيه على وجه يعتدّ به وهو متفاوت وقد يصل إلى العلم بالحوادث الكونية من إشاراته ورموزه إلى غير ذلك فإن الله تعالى لم يغفل شيئًا فيه.
أخرج أبو الشيخ في كتاب العظمة عن أبي هريرة مرفوعًا «إن الله لو أغفل شيئًا لأغفل الذرة والخردلة والبعوضة».
وأخرج ابن جرير. وابن أبي حاتم عن ابن مسعود أنزل في هذا القرآن علم كل شيء وبين لنا فيه كل شيء ولكن علمنا يقصر عما بين لنا في القرآن، وقال ابن عباس: لو ضاع لي عقال بعير لوجدته في كتاب الله تعالى؛ وقال المرسي: جمع القرآن علوم الأولين والآخرين بحيث لم يحط بها علمًا حقيقة إلا المتكلم به، ثم رسول الله صلى الله عليه وسلم خلا ما استأثر به سبحانه، ثم ورث عنه معظم ذلك سادات الصحابة وأعلامهم كالخلفاء الأربعة، ثم ورث عنهم التابعون لهم بإحسان، ثم تقاصرت الهمم وفترت العزائم وتضاءل أهل العلم وضعفوا عن جمل ما حمله الصحابة والتابعون من علومه وسائر فنونه، وفسر بعضهم التعليم بتنبيه النفس لتصور المعاني، وجوز الإمام أن يراد به هنا جعل الشخص بحيث يعلم القرآن فالآية كقوله تعالى: {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا القرءان لِلذّكْرِ} [القمر: 17] وهو بهذا المعنى مجاز كما لا يخفى، و{الرحمن} مبتدأ، والجملة بعده خبره كما هو الظاهر، وإسناد تعليمه إلى اسم {الرحمن} للإيذان بأنه من آتار الرحمة الواسعة وأحكامها، وتقديم المسند إليه إما للتأكيد أو للحصر، وفيه من تعظيم شأن القرآن ما فيه، وقيل: {الرحمن} خبر مبتدأ محذوف، أو مبتدأ خبره محذوف أي الله الرحمن، أو الرحمن ربنا وما بعد مستأنف لتعديد نعمه عز وجل وهو خلاف الظاهر، ثم أتبع سبحانه نعمة تعليم القرآن بخلق الإنسان فقال تعالى:


{خَلَقَ الْإِنْسَانَ (3)}
{خَلَقَ الإنسان} لأن أصل النعم عليه، وإنما قدم ما قدم منها لأنه أعظمها، وقيل: لأنه مشير إلى الغاية من خلق الإنسان وهو كماله في قوة العلم والغاية متقدمة على ذي الغاية ذهنًا وإن كان الأمر بالعكس خارجًا، والمراد بالإنسان الجنس وبخلقه إنشاؤه على ما هو عليه من القوى الظاهرة والباطنة، ثم أتبع عز وجل ذلك بنعمة تعليم {البيان} فقال سبحانه:


{عَلَّمَهُ الْبَيَانَ (4)}
{عَلَّمَهُ البيان} لأن البيان هو الذي به يتمكن عادة من تعلم القرآن وتعليمه، والمراد به المنطق الفصيح المعرب عما في الضمير.
والمراد بتعليمه نحو ما مر، وفي الإرشاد أن قوله تعالى: {خَلَقَ الإنسان} [الرحمن: 3] تعيين للمتعلم، وقوله سبحانه: {عَلَّمَهُ البيان} تبيين لكيفية التعليم، والمراد بتعليم البيان تمكين الإنسان من بيان نفسه، ومن فهم بيان غيره إذ هو الذي يدور عليه تعليم القرآن. وقيل: بناءًا على تقدير المفعول المحذوف الملائكة المقربين إن تقديم تعليم القرآن لتقدمه وقوعًا فهم قد علموه قبل خلق الإنسان ورا يرمز إليه قوله تعالى: {إِنَّهُ لَقُرْءانٌ كَرِيمٌ فِى كتاب مَّكْنُونٍ لاَّ يَمَسُّهُ إِلاَّ المطهرون} [الواقعة: 77- 79] وفي النظم الجليل عليه حسن زائد حيث إنه تعالى ذكر أمورًا علوية وأمورًا سفلية وكل علوي قابله بسفلي ويأتي هذا على تقدير المفعول جبريل عليه السلام أيضًا؛ وقال الضحاك: {البيان} الخير والشر، وقال ابن جريج: سبيل الهدى وسبيل الضلالة، وقال يمان: الكتابة والكل كما ترى، وجوز أن يراد به القرآن وقد سماه الله تعالى بيانًا في قوله سبحانه: {هذا بَيَانٌ} [آل عمران: 138] وأعيد ليكون الكلام تفصيلًا لإجمال {علم القرآن} [الرحمن: 2] وهذا في غاية البعد. وقال قتادة: {الإنسان} آدم. و{البيان} علم الدنيا والآخرة، وقيل: {البيان} أسماء الأشياء كلها. وقيل: التكلم بلغات كثيرة، وقيل: الاسم الأعظم الذي علم به كل شيء، ونسب هذا إلى جعفر الصادق رضي الله تعالى عنه.
وقال ابن كيسان: {الإنسان} محمد صلى الله عليه وسلم. وعليه قيل: المراد بالبيان بيان المنزل. والكشف عن المراد به كما قال تعالى: {وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذكر لِتُبَيّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزّلَ إِلَيْهِمْ} [النحل: 44] أو الكلام الذي يشرح به المجمل والمبهم في القرآن أو القرآن نفسه على ما سمعت آنفًا، أو نحو ذلك مما يناسبه عليه الصلاة والسلام ويليق به من المعاني السابقة، ولعل ابن كيسان يقدر مفعول علم الإنسان مرادًا به النبي صلى الله عليه وسلم أيضًا، وهذه أقوال بين يديك، والمتبادر من الآيات الكريمة لا يخفى عليك ولا أظنك في مرية من تبادر ما ذكرناه فيها أولًا. ثم إن كلًا من الجملتين الأخيرتين خبر عن المبتدأ كجملة {عَلَّمَ القرءان} [الرحمن: 2] وكذا قوله تعالى:

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8